رامي جلال

صحفي

المركز الديموجرافى فى مصر هو أحد أهم بيوت الخبرة فى مجال السكان، وهو أداة مهمة لمجابهة خطر كبير أشد فتكاً من خطر الإرهاب، فانفجار قنبلة ينتج عنها بعض الضحايا الغالين، والقلق المؤقت، ثم نسيطر أمنياً ونفسياً على الأوضاع بتكاتفنا ووحدتنا، لكن الانفجار السكانى هو تدمير ذاتى لأى شعب، فزيادة عدد الأفراد على حساب الموارد، والأهم من ذلك، على حساب جودة العناصر هو ما يؤدى إلى موت الأمم، وهذا من دروس التاريخ.

 

أنشئ المركز الديموجرافى فى أوائل عام 1963، وكان أول مركز إقليمى للدراسات والبحوث السكانية. وفى الأصل كان يحمل اسم «المركز الديموجرافى لشمال أفريقيا»، لكنه فى التطبيق العملى، كان يُعنى بالدراسات الخاصة بكل الدول العربية «أفريقية وآسيوية».. وبعد خمس سنوات من الإنشاء، دخل المركز مرحلة حاول فيها تلبية احتياجات التدريب فى مجال الديموجرافيا.. وبعد ثلاث سنوات أخرى، قرر المركز الاهتمام بالبحوث فى المجال الجغرافى. بعدها كان عام 74 مميزاً، فقد تحدد عاماً عالمياً للسكان، وانطلق وقتها مؤتمر السكان فى «بوخارست». وهذا ساعد المؤسسة على المركزة الإعلامية على المستوى العالمى، وهو الزخم الذى تضاءل مع الوقت (هو الآن أحد تسعة مراكز عالمية من نوعها).

 

الديموجرافيا هى ببساطة «عِلم السكان»، وبها ندرس الخصائص السكانية، والتى قد تكون كَمية: (منها: الكثافة السكانيّة، والنمو، والحجم). أو نوعية: (منها: التعليم والتغذية والثروة). والديموجرافيا فى تفسيرها النهائى هى إحصاءات حول الأفراد (مثل: مكونات النمو، والإنجاب، والوفيات، والهجرة).. ولعلم السكان فروع، منها «التاريخى» الذى يدرس المجتمعات القديمة. و«الوصفى»: الذى يُعنى بعدد السكان. و«النظرى»: الذى يهتم بالقضايا السكانية.

 

تجيب أبحاث السكان عن أسئلة مهمة يستخدمها صانع السياسات لتحديد الاحتياجات البشرية، الآن وفى المستقبل، مثل: الأسباب الرئيسية للوفيات، أو عوامل الهجرة الداخلية والخارجية.. كما أنه بمقارنة الدراسات يصبح من الممكن التنبؤ بالميول المستقبلية للتغيرات السكانية.

 

من المفترض أن تكون معدلات النمو الاقتصادى أكبر ثلاث مرات من نسب الزيادة السكانية. مصر مثلاً معدل نموها السكانى 2.6% وبالتالى تحتاج إلى معدل نمو اقتصادى 7.5%، وهذا صعب التحقيق، ونحن نتجه إلى 140 مليون نسمة خلال السنوات الخمس عشرة القادمة.

 

الزيادات الكبيرة فى أعداد السكان بالمقارنة مع الموارد المتاحة تُنهى آمال أى دولة فى التنمية، وذلك بعيداً عن نظرية «العيّل بييجى برزقه»، ومع إيماننا أن رزق ابن آدم مكتوب ومقدَّر، فإننا لا نعلم بالضبط علاقة هذا بجودة تعليم ابن آدم وصحته وسكنه وغيرها من متطلبات حياته الكريمة. كما يجب أن نبتعد عن سفسطة موضوع الصين والهند ونعمة العدد الكبير، فكل هذا تسطيح للأمور مردود عليه علمياً، وهذا بالمناسبة من أدوار المركز الديموجرافى التوعوية المهمة.

 

مؤسسات مصرية كثيرة أصبحت مثل الديناصورات، أجساد ضخمة ورؤوس صغيرة، وهى أوضاع تتصدى لها الدولة المصرية الآن كى لا تنقرض تلك المؤسسات إلى غير رجعة. لذلك بدأ المركز الديموجرافى منذ فترة فى مساعيه لاحتلال مكانته القديمة. وقد يكون له شأن آخر قريباً إذا بذل بعض المجهودات الإعلامية التى تعتمد على مقاربات مخاطبة المواطن العادى، وليس ذوى التخصص فقط، واستغلال رواج وسائل التواصل الاجتماعى.